من القرن الأفريقي إلى المتوسط

فبراير 24th, 2023 - كتب المقال: مروان عثمان وإبراهيم الجريفاوي

مقدمة:

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات حول حركات الهجرة من وإلى السودان . وهذه السلسلة مكرسة للذكرى الرابعة للثورة السودانية، وهو عمل مشترك بين مجموعة مساندة الثورة السودانية/ألمانيا ومشروع مراقبة معلومات الهجرة.

بهذه المنشورات نريد أن نساهم في معرفة أحوال سكان السودان ذوي الأوضاع الهشة – اللاجئون، النازحون، والفقراء من سكان المدن الكبرى وكذلك في الأطراف. نرافق الناس في ترحالهم، ونسلط الضوء على مصائب هؤلاء الناس الذين هم في معاناة زائدة بسبب سياسات الهجرة في الإتحاد الأوروبي. بالتأكيد، ميليشيات الجنجويد القاتلة ما كان لتنمو مثلما حدث لولا التسامح والدعم الأوروبيين بالتوازي مع دعم الميليشيات الليبية التي تتظاهر بأنها من خفر السواحل.

ستنشر هذه المقالات إسبوعياً بثلاث لغات في نفس الوقت: العربية، الإنجليزية والألمانية. والمقالات القادمة ستكون وفق الترتيب التالي:

  • اللاجئات في السودان.
  • اللاجئون الإثيوبيون في العاصمة المثلثة.
  • تجربة المهاجرين السودانيين في ليبيا.
  • نظرة عامة على حركات الهجرة وسياسات الدولة والنزوح.
  • الدعم الأوروبي للجنجويد.
  • مقالتان عن مخيمات اللاجئين.
  • مقاومة اللاجئين في شمال إفريقيا.
  • أوضاع اللاجئين السودانيين في أوروبا.


من القرن الأفريقي إلى المتوسط

ببقلم: مروان عثمان وإبراهيم الجريفاوي

رحلة كريم الطويلة

إلتقينا ذات مساء بباحة مركز الاستقبال الأولي بمدينة أيزن هوتن شتاد في أواخر شهر يوليو المنصرم 2022م. كان في نهاية الثلاثينات وربما أشرف على الأربعين من عمره. يتحدث العربية بطريقة محببة حيث يمزج بين فصيحها ولهجاتها السودانية، التشادية والليبية لعل هذا يقع ضمن ما يطلق عليه اللغويين بناء وإعادة بناء الهوية وسط المهاجرين (Al Khair 2021) إبتدرني قائلا: انت جديد هنا؟ أجبت، نعم لقد وصلت إلىوم فقط. ثم أخذنا سيل أسئلة التعارف كل مأخذ. إسمي عبدو كريم وأنا من الصومال.[1]

هل وصلت إلى أوروبا عن طريق مصر أم ليبيا؟

رد قائلاً: عن طريق ليبيا بالطبع!

ولماذا بالطبع؟

لأن معظم الراغبين في عبور المتوسط إلى الاراضي الاوروبية ينطلقون من السواحل الليبية وذلك لقصر المسافة بين الساحلين.

إذا من المؤكد أنك عبرت السودان؟

نعم خرجت من الصومال إلى أثيوبيا ثم السودان وتشاد وأخيراً ليبيا.

يالها من رحلة طويلة يقطعها الناس هرباً من جحيم الحروب والمجاعات والكوارث وسعياً وراء أحلامهم بالأمان والحرية والعيش الرغيد. فقد شهدت منطقة القرن الأفريقي عقوداً متتإلىة من الإضطراب وعدم الإستقرار. الصومال تعيش حرباً أهلية تدخل الآن عقدها الرابع، إما إثيوبيا فقد حلت عليها لعنة واحدة من أطول الحروب في تاريخ القارة التي كان نتيجتها إستقلال الأفريقي في عام 1991م. شرق إثيوبيا عاني من موجات جفاف متتإلىة هددت حياة أكثر من 10 ملايين خلال السنوات السابقة ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن منطقة القرن الأفريقي تشهد الآن أسؤ موجة جفاف منذ 40 عاماً تمتد من الأفريقي شمالاً، مروراً بإثيوبيا وجيبوتي حتى الأطراف الجنوبية لكينيا والصومال (تصريح صحفي، يونيو 2022م). كما درجت الطبيعة علي إفقاد سكان وسط وجنوب إثيوبيا لمحصولاتهم جراء الفيضانات، لتضاف إلى كل ذلك الحرب الأهلية التي إندلعت في أقإلىم التقراي والأرومو وبني شنقول قمز. أما السودان الذي قيضت له المصادفة موقعاً جغرافياً يربط بين شرق القارة وغربها وشمالها وجنوبها فقد عانى من الحرب الأهلية منذ عشية الإستقلال 1955م وحتى يومنا هذا.

هل كان دخولك إلى السودان صعباً؟

لا، لم يكن صعبا.

كم أقمت في معسكر اللاجئين؟

لم أقم في معسكر اللاجئين لأني لم أدخل عبر المعابر الرسمية⃰ بين السودان وأثيوبيا إنما تهريبا عبر الحدود ووصلت إلي الخرطوم في يوم وأحد.

عبدو كريم محقاً تماماً، فخط الحدود السودانية الأثيوبية الذي يبلغ طوله حوإلى 1600 كلم تعتبر من أكثر المناطق تعقيداً من حيث جغرافيتها ذات الطبيعة الجبلية والتي قاومت سيطرة الدولة ونشؤ النخب لقرون طويلة (Gonzalez 2012: 67). كما أن ساكنيها قاوموا كل أنواع ظلم الدولة وعدم المساواة السياسية فقد كانت ملاذاً أمناً لاولئك المناهضين للدولة أو الهاربين من بطشها، مثل الأقليات الثقافية، زعماء الحروب، أو المتمردين وقطاع الطرق (Triulzi 1981). في العموم تعتبر هذه التخوم (السودانية / الأثيوبية) ذات الكثافة السكانية المنخفضة أرض مستقبلة للهجرات البشرية سواء كانت هجرات دائمة أو موسمية مؤقتة، فغالبية السكان الحإلىين وصلوا إلى المنطقة خلال السبعين سنة الأخيرة. إضافة إلى تمدد الدولة (إثيوبيا أو السودان) المؤقت أو الهجرات التي تصل إلى المنطقة فإن المنطقة ترتبط أيضاً بثلاث ظواهر مهمة: الأولى هي الصراع بين الدولة والمجتمعات غير الخاضعة لها non-state societies، والصراعات القبلية. الثانية أنها تعمل أيضاً كمنطقة تلاقح ثقافي space for middle-ground cultural encounters بين الدولة والمجتمعات المنضوية تحتها والمجتمعات ذات التنظيم الأفقي. أما الظاهرة الثالثة التي ترتبط بتلك التخوم فهي ظهور ونشؤ ثقافات جديدة ethnogenesis وأيضاً نقيضها من الإبادات البشرية أو التدمير الثقافي ethnocide (Hall 2000: 241).

هذه المقدمة عن الحدود السودانية االإثيوبية ضرورية لفهم واقع التدفقات البشرية عبرها، وتجدر الإشارة إلى أن الواصلين عبر المعابر الرسمية يتم تكديسهم في تسعة معسكرات هي

Camps-AR-300x166.png

هذه المعسكرات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وأشبه ما تكون بالسجون حيث لا يسمح للمقيمين فيها بالخروج ولا يمنحون تصريح للعمل كما أنهم لا يتلقون أي نوع من المساعدات المإلىة.

Camps-data-1-186x300.png

سألت عبدو كريم كيف وجدت الحياة في الخرطوم؟

بغض النظر عن المعاناة الاقتصادية لكن اللاجئون يتعرضون لمضايقات السلطات السودانية وإبتزازالبوليس السوداني.

وهو محق مرة أخرى حيث قامت السلطات السودانية ومنذ العام 2016م بسحب بطاقات اللجؤ من العديد منهم مما يسمح لقوات الشرطة باعتقالهم بحجة انهم لا يحملون بطاقات اللجؤ أو تصريح بالعمل فيضطر الواحد إلى إفراغ كل ما في جيبه كرشوه وقد يتكرر الموقف مع شخص واحد أكثر من مرة.

ا:لمسير نحو الجحيم

بعد سقوط البشير في 2019م ومجيئ حكومة الفترة الإنتقإلىة لم يحدث أي تغيير في أوضاع اللاجئين. في نوفمبر 2020م إحتجاجاً على هذه الأوضاع وللمطالبة بحقوقهم، إعتصمت مجموعة من اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين أمام مبني المفوضية السامية للاجئين، فكان رد حكومة الفترة الإنتقإلىة أن قامت بقمعهم وإعتقال مجموعة كبيرة منهم ونقل الأخرين إلى منطقة جنوب الخرطوم.

بعد تبني حكومة الفترة الإنتقإلىة لسياسات رفع الدعم وتحرير الأسعار تفاقمت الأزمة الإقتصادية وساءت أوضاع السودانيين بشكل عام وأوضاع اللاجئين على وجه التحديد ما دفع بالعديد منهم إلى طربق الهجرة الصحراوي نحو ليبيا.

قلت لعبدو كريم: حدثني عن الطريق إلى ليبيا.

بعد ان دفعنا لأحد المهربين أخذونا بسيارة من غرب أم درمان صوب الصحراء بعد ان طلب منا أن نسدد قيمة الأكل والشراب، استغرقت الرحلة 4 أيام حتى وصلنا إلي مجموعة عسكرية قرب الحدود، كنا نظنها الحدود الليبية حتى جاءت مجموعة اخري بسيارات لاندكروزر مكشوفة ومسلحة. طلب منا ان نصعد إليها بعد مسير دام لعدة ساعات فوجئنا بأننا في تشاد وليس ليبيا كما إكتشفنا أنه تم ببيعنا لمليشيا تشادية تنشط في الحدود بين تشاد وليبيا (لم يستطيع أن يسمي هذه المليشيا على وجه الدقة). طلبت منا هذه المجموعة أن ندفع مجدداً حتى يتم أخذنا إلى القطرون في ليبيا. زودونا برقم حساب بنكي لإيداع القيمة كما أنهم طلبوا منا الاتصال بمن يمكنهم الدفع عنا. مكثنا تحت شجرة قرابة العشرة أيام في إنتظار التحويلات. في النهاية أخذوا الذين تمكنوا من الدفع إلى القطرون وكنت ضمن هؤلاء المحظوظين حيث ان عمي المقيم بالسويد قام بتسديد المبلغ.

تتطابق قصة كريم في بعض أجزاءها مع روايتي م.م يبلغ 16 عاماً و أ.ع 18 عاماً اللذين إلتقتهما مبادرة Safe Road [2] في يناير 2021م بحي الديم الخرطوم2.[3]  تحرك الاثنان من سوق ليبيا غرب أم بسيارة دفع رباعي مكشوفة تتبع لقوات الدعم السريع وعند وصولهم المالحة تم تحويلهم إلي سيارة أخرى بينما كانت سيارة أخري تضم طاقما مسلحاً تتبعهم وأخبروهم أنها سيارة للحماية. هذان الشخصان لم يكونا محظوظين مثل كريم، فهم لم يروا ليبيا على الإطلاق بل تم احتجازهم بواسطة مليشيا الدعم السريع لأكتر من ستة أشهر أجبروا خلالها على العمل لصالح المليشيا في الطبخ ونظافة المعسكر وغسل الملابس وحمل صناديق الذخيرة. بعد أن ساءت حالة يد م.م المكسورة نتيجة للضرب بعصا من قبل أحد افراد المليشيا وأصبح غير قادر علي العمل تم الاتصال بوالدته وطلب فدية. إضطرت والدته لطلب العون من عدد كبير من الناس حتى تمكنت من جمع المبلغ المطلوب وسلم لأحد المنتمين للمليشيا بمنطقة سوق ليبيا الذي قام بتحذير الأسرة من التحدث عن الأمر وإلا فلن يروا ابنهم مرة أخرى وانهم سوف يتخلصون منه حتى بعد عودته لو خرج هذا الأمر إلى العلن.

Mig-routes-298x300.png

ينطلق المهاجرون إلى ليبيا بعد الإتفاق مع خبير مُلم بمسالك الصحراء عبر واحدة من النقاط التإلىة: الفاشر، النهود، مليط، أم كدادة، أم عجيجة، أم بادر، جبل ميدوب والمشروع، وهذه هي الطرق التي توجد بها أبار للمياه. معظم عمليات التسلل إلى ليبيا تتم بالإبل لتفادي إشكإلىة شح الوقود. وتبدأ هذه العملية بعد تجهيز المؤن الغذائية التي عادة ما تتكون من الخبز الناشف أو الكسرة، والدقيق والبصل، والسكر والشاي، بجانب كميات كبيرة من المياه تحمل داخل (قِرب) من جلود الماعز، والجمل الواحد يحمل ستة قِرب.

تتكون القافلة عادة من 10 إلى 14من الإبل وغالباً ما يختار مهربو البشر التحرك ليلاً عن طريق وادي هَوْر شمال كردفان، لإحتواءه علي أبار المياه، وهو صحراء جرداء قاسية لا حياة فيها، وبعد وادي هَوْر لا توجد مصادر للمياه إلا في منطقة مثلث عوينات علي الحدود السودانية الليبية التي منها ينطلق المتسللون إلى الكفرة (حوإلى 7 أيام بالإبل و 24 ساعة بالسيارة. أما الرحلة من الفاشر حتى بنغازي فتستغرق 37 يوماً بالإبل وخمسة أيام بالسيارة في حالة عدم حدوث أعطال أو أي طارئ آخر.

يتوه المتسللون في الصحراء ويموتون عطشاً لأنهم دائماً يختارون مسالك الصحراء النائية بعيداً عن عيون قوات المليشيا السودانية وقوات حرس الحدود الليبية حيث تجبرهم المسافة وارتفاع درجة الحرارة على إستهلاك كل كمية المياه التي بحوزتهم في أيام قلائل. يقول أحد الناجين من الموت عطشاً من جملة 41 مسافراً على ظهور الإبل أنهم إستهلكوا كل كمية المياه التي كانت في حوزتهم حين عثرت عليهم قافلة أخرى في منطقة جبيل الديرة حيث وجدوا إثنان منهم أحياء أما البقية فقد فارقوا الحياة وكانت أجسادهم متيبسة وجلودهم متسلخة بفعل الحرارة. وقال أحد الناجين أنهم تحركوا من منطقة ود بندة في شمال كردفان وظلوا يضربون في الصحراء لمدة 28 يوماً متجنبين مواقع المليشيات حتى أصيبت الإبل بالإرهاق وإمتنعت عن المسير ونفذت منهم المياه، فذبحوا الإبل وشربوا دمائها ويبدو أن ذلك هو ما أنقذ حياتي حيث إمتنع الأخرون عن شرب دماء الإبل. يقول شاهد عيان أنهم عثروا أيضاً على 16هيكل أدمي بمنطقة شجرة بيدي شمال وادي هَوْر بحوإلى150 كيلو وبالقرب من أحدها جواز سفر، وبطاقة شخصية باسم عبدالله أحمد جدو كما عثروا على قائمة بأسماء الموتي جوار جثة الدليل.[4]

إن الحكايات عن ضحايا طريق الصحراء لا تنتهي وهي قصص مؤلمة حيث يموت معظمهم خلال محاولاتهم لتجنب مليشيا الدعم السريع وحرس الحدود الليبي، والأخير مؤكد تلقيه دعماً مإلىاً ولوجستياً وفنياً من قبل الإتحاد الأوروبيخصوصاً إيطإلىا بينما تحوم شكوك كبيرة وظنون قد ترقي في بعض أوجهها إلى مرتبة إلىقين حول علاقة الإتحاد الأوروبي بمليشيا الجنجويد/الدعم السريع.

الإتحاد الأوروبيوالدعم السريع: العلاقة المحرمة

تم إعتماد مسمى الدعم السريع رسمياً لوصف مليشيات الجنجويد[5] وتشريعها كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في العام 2013م وتم تعيين محمد حمدان دقلو قائداً لها ومنحه رتبة عميد. المهام الأساسية الموكلة لهذه القوات تنحصر في مكافحة التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق - وقد وُثِقت جرائم عديدة إرتكبتها قوات الدعم السريع في تلك المناطق - هذا بالإضافة إلى دورهم كحرس حدود ينتشر في المثلث الحدودي بين ليبيا ومصر مع السودان (جبل عوينات) ليعمل على مكافحة الهجرة.

بعد الإحتجاجات الشهيرة في سبتمبر 2013م في الخرطوم وودمدني ومدن سودانية أخرى أعلن جهاز الأمن عن إدخال قوة من الدعم السريع إلى الخرطوم وهي القوة المتهمة بشكلٍ اساس بقتل أكثر من 200 متظاهر. في الفترة من 2014 - 2018 حدثت تطورات جعلت من قوات الدعم السريع قوة كبرى وموازية للجيش، حيث تم إلحاقها برئاسة الجمهورية مباشرة في يونيو من العام 2016, وتم إرسال جنود مشاة ومقاتلين من الدعم السريع للحرب في إلىمن وحماية الحدود السعودية تقدر أعدادهم بما يزيد عن 40,000 جندي مرتزق في إلىمن وحدها[6].

بعد حراك ثورة ديسمبر 2018 وفي 11 ابريل قامت قوات الدعم السريع مع بعض قيادات القوات المسلحة السودانية بعزل الرئيس البشير وإعتقاله وقاموا بتكوين مجلس عسكري برئاسة الجنرال عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو نائباً له وطلبوا من قادة الإحتجاجات التفاوض حول ترتيب دستوري جديد لإدارة الفترة الإنتقإلىة. إستمر التفاوض لمدة شهرين لم يقبل المحتجون أمام القيادة العامة شروط العسكريين فما كان منهم إلا أن قاموا بفض الإعتصام في صبيحة الثالث من يونيو 2019 بشكل دموي فيما عُرف ب(Khartoum massacre). وتعتبر قوات الدعم السريع هي القوة العسكرية الأساسية التي إرتكبت جريمة فض الإعتصام.

قُطِعت خدمة الانترنت عن السودان لأكثر من شهر وإنتشرت قوات الدعم السريع في المدن الأساسية إنتشاراً كثيفاً جداً لتعمل على قمع أي إحتجاجات أخرى، حتى خرجت الجماهير في 30 يونيو في مسيرات مليونية إحتجاجية في كل مدن السودان. بعدها عاد التفاوض بين العسكريين والحرية والتغيير (الجسم السياسي الذي كان يمثل المتظاهرين حينها) لينتج وثيقة دستورية للفترة الإنتقإلىة نتجت عنها حكومة شراكة بين المدنيين والعسكريين كان فيها محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، الجدير بالذكر أن الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقإلىة 2019 تعديل 2020 قد شرعنت قوات الدعم السريع وأشارت إليهم كقوة موازية للقوات المسلحة السودانية وتبعَتها للقائد العام والسلطة السيادية مع الإحتفاظ باستقلإلىتها (الجريدة الرسمية لجمهورية السودان الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقإلىة الفصل الحادي عشر-القوات النظامية)

بعد الوضع الدستوري الجديد وسيطرة المليشيا على مفاصل الدولة تواصلت سيطرة قوات الدعم السريع على الحدود وبدأت في الترويج لنفسها كمؤسسة عمل إنساني تعمل على الحد من الإتجار بالبشر ومساعدة المهاجرين في الصحراء وإعادة تأهيلهم ودعهم نفسياً (الموقع الرسمي لقوات الدعم السريع).

في الخامس والعشرين من أكتوبر قام قائد الجيش الجنرال برهان بمعاونة الدعم السريع بالإنقلاب على حكومة الفترة الإنتقإلىة وتعطيل العمل بمواد الوثيقة الدستورية، ورغماً عن المقاومة الشعبية الشرسة للإنقلاب العسكري التي تتواصل منذ أكثر من عام إلا أن الانقلاب مازال يسيطر على مفاصل الدولة وتلعب قوات الدعم السريع دوراً فعالاً في حماية الإنقلاب. بعد الإنقلاب العسكري سارع محمد حمدان دقلو بإطلاق تحذيرات لحلفاءه الأوروبيين من أن بلاده قد تكون مصدراً لتدفق اللاجئين إلى أوروبا في حال عدم التعاون مع حكومته العسكرية الجديدة، وقال في مقابلة مع (Politico) أن الحكومة ستعمل على إستقرار أوضاع اللاجئين في الوقت الحإلى وطلب التعاون والإعتراف بالحكومة الجديدة. وأضاف متحدثاً عبر مكالمة فيديو من الخرطوم قال فيها: "نظراً لإلتزامنا تجاه المجتمع الدولي والقانون، فإننا نحافظ على هؤلاء الأشخاص معنا وأضاف إذا فتح السودان الحدود، فستحدث مشكلة كبيرة في جميع أنحاء العالم."

بعدها قامت قوات الدعم السريع بتدشين قوات درع الصحراء ونشرها في منطقة المثلث الحدودية وهي قوات بعتاد عسكري وتدريب في مجال مكافحة الهجرة وحراسة الحدود وتم إرسالها في مراسم واحتفالات رسمية بثت في التلفزيون القومي والمنابر الإعلامية التابعة للدعم السريع.

Desert-2-300x170.jpg

الصورة من مأمون يوسف

خصص الجنجويد/الدعم السريع منابر ومواقع إلىكترونية وصفحات في مواقع التواصل الإجتماعي للترويج لقواته وتحسين صورتها باعتبارها تقوم بعمل إنساني كبير في مكافحة الإتجار بالبشر وفي عمليات إنقاذ المهاجرين في الصحراء وتقديم الدعم النفسي ومساعدتهم في العودة إلى أوطانهم. وكشف مرصد (بيم ريبورتس) المتخصص في فضح المواد المزيفة بمواقع التواصل الإجتماعي أن قوات الدعم السريع تبذل مساعٍ حثيثة لتحسين صورتها عبر واجهات إعلامية أجنبية تستخدمها لنشر معلومات مضللة. وكشف التقرير عن تعاونه مع جهات أوروبية ومراكز في فرنسا تعمل على تحسين صورة الدعم السريع تحديداً في ملف الهجرة.

وصرح محمد حمدان دقلو في مقابلة تلفزيونية لقناة مقابلة تلفزيونية مع قناة BBC في أغسطس 2022م اأنه لا يوجد تعاون بين قواته والإتحاد الأوروبيحإلىاً ماعدا إيطإلىا التي شكرها على التعاون والدعم المستمر لمدة عامين لقواته.

كما يقوم ومنذ أكتوبر المنصرم الإعلام إلىكتروني للدعم عبر منصاته الرسمية ببث ماده فيلمية وثائقية بلغات أوروبية مختلفة عن دور الدعم السريع في مكافحة (الهجرة الغير شرعية) الواضح أن هذه المواد قد تم إنتاجها بمبالغ ضخمة مع جهات متخصصة في العلاقات العامة لتحسين صورة الدعم السريع ومخاطبة الحلفاء الأوروبيين.كل هذا يشرح الموقف الإستراتيجي للدعم السريع من مسألة العلاقة مع الإتحاد الأوروبي وأن تلك القوات لن تتنازل عن دورها كحارس لحدود أوروبا في الصحراء اذا إذ يسيل لعابها لتلك الأموال التي يعتقد أن أوروبا على إستعداد لدفعها في سبيل وقف الهجرة

وربما سيكون من المفيد هنا الإشارة إلى خطاب النائب البرلماني الإيطالى عن حركة 5Stars Movement الذي إتهم فيه الحكومة الإيطالية صراحة بتقديم المساعدة الفنية والمالية لمليشيا الدعم السريع. (مصدر) كما أنه نجد من الضروري الإشارة إلى التقرير الممتاز لذي أعدته أفريكا اكسيبرس عن ذات الموضوع حول علاقة بعض دول الإتحاد الأوروبي بمليشيا الجنجويد/الدعم السريع

خاتمة

يمكن القول أن أخطر ما يواجه المهاجرين عبر السودان إلى ليبيا ليس العطش والضياع في الصحراء فقط بل هو الإنتشار الكبير لهذه القوات الضالعة في إنتهاكات حقوق الإنسان وفي الجرائم ضد الإنسانية والإتجار بالبشر، على الرغم من أن الإتحاد الأوروبي الذي يعمل جاهداً على مد حدوده إلى الداخل الأفريقي لمكافحة الهجرة ظل يؤكد إيقاف الدعم عن هذه المليشيا سيئة الصيت إلا أن الكثير من القرائن تشير إلى عكس ذلك تماماً. كما وأن غياب البيانات الرسمية والتعتيم الذي يتبعه الإتحاد الأوروبي حول علاقته بمليشيا الجنجويد/الدعم السريع تثير الكثير من الأسئلة حول ما الذي يخفية الإتحاد الأوروبي بخصوص علاقته بالمليشيا السودانية؟ هل حقاً قطع الإتحاد الأوروربي علاقته بمرتكبي الفظائع في دارفور وجنوب كردفان بل وحتى الخرطوم وبقية المدن السودانية؟ وما حقيقة إستمرار بعض دوله في تقديم الدعم المالي والفني لجنجويد السودان؟ العديد من الأسئلة الأخرى التي يثيرها عدم شفافية دول الإتحاد الأوروبي فيما يختص بسياسات الهجرة من القرن الأفريقي بشكل عام والسودان ومليشيا الجنجويد/الدعم السريع علي وجه الدقة.

المصادر والمراجع:

  1. Al-Khair, Suliman: Identity Construction among Ethiopian Migrants in Sudan. 2020.
  2. Alfredo Gonzalez: Generation of Free Men, Beyond Elites, Alternitive to Hierarchical Systems in Modeling Social Formation. Bonn 2012.
  3. Baldo, Suliman: Border Control From Hell, How the EUs Migration Partnership Legitimizes Sudan's Militia State. Published by Enough Project.
  4. Hall, Stuart: Critical Dialogues in Cultural Studies, Routledge, 1996.
  5. Triulzi: Salt, Gold and Legitmacy. Prelude to the History of No Man's Land. Naples 1981.

Footnotes

  1. مقابلات مع عبدو كريم، يوليو+ أغسطس،2022 أيزن هوتن شتاد، ألمانيا.

  2. Safe Road مبادرة تضم مجموعة من الناشطين والباحثين والصحفيين والأطباء تهتم بموضوع الهجرة وأوضاع المهاجرين واللاجئين في السودان.

  3. مقابلة شخصية مع م.م و أ.ع. يناير 2021م الديم. الخرطوم. السودان.

  4. مقابلات أجراها التاج عثمان، صحيفة الرأي العام 2021م.

  5. مليشيا قبلية سيئة الصيت ضالعة في جرائم الحرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بدارفور. تتكون بشكل أساسي من بعض المجموعات العربية بدارفور (الرزيقات). الجنجويد هو الاسم المتدوال والمعروفة به هذه المليشيا وسط السودانيين وهو إختصار لعبارة: الجن الراكب الجواد.

  6. https://www.refworld.org/docid/5a0d6be54.html